إشكاليات دستورية في قوانين الإيجارات الجديدة دراسة تحليلية للقانونين 164 و165 لسنة 2025 في ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 70 لسنة 18 قضائية.
ورقة بحثية بقلم د. عبد الفتاح الغوالبي
---
الجزء الأول:
القانون رقم 164 لسنة 2025 – دراسة في مدى توافقه مع المبادئ الدستورية
أولًا: مقدمة
شهدت العلاقة الإيجارية في مصر تحولات تشريعية متلاحقة، كان أبرزها صدور القانون رقم 164 لسنة 2025، الذي نظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر في الأماكن المؤجرة لغرض السكن، وأقر إنهاء العلاقة الإيجارية بعد مرور سبع سنوات من تاريخ العمل به.
ورغم أن القانون جاء في سياق معالجة آثار الامتداد غير المنضبط لعقود الإيجار، إلا أنه أثار جدلًا واسعًا حول مدى توافقه مع المبادئ الدستورية، لا سيما تلك التي أرستها المحكمة الدستورية العليا في حكمها رقم 70 لسنة 18 قضائية.
---
ثانيًا: مضمون القانون رقم 164 لسنة 2025
ينص القانون على إنهاء العلاقة الإيجارية في الأماكن السكنية المؤجرة قبل 31 يناير 1996، بعد مرور سبع سنوات من تاريخ العمل به، مع تحديد أجرة انتقالية تبدأ من 250 جنيهًا وتُرفع تدريجيًا.
كما نصت المادة السابعة منه على حالات إضافية للإخلاء، منها ترك العين مغلقة لمدة سنة دون مبرر، أو امتلاك المستأجر أو من امتد إليه العقد وحدة أخرى صالحة للسكن.
وقد منح القانون المؤجر حق اللجوء إلى قاضي الأمور الوقتية لاستصدار أمر بالطرد دون حاجة إلى حكم قضائي نهائي.
---
ثالثًا: أوجه المخالفة الدستورية
1. مخالفة مبدأ احترام المراكز القانونية المكتسبة
إن إنهاء العلاقة الإيجارية قسرًا بعد سبع سنوات، دون إخلال من المستأجر أو مخالفة لشروط العقد، يُعد مساسًا بالمراكز القانونية المستقرة التي نشأت بموجب قوانين سابقة، ويُخالف مبدأ الأمن القانوني الذي يُعد أحد ركائز الدولة الدستورية.
2. مخالفة مبدأ المساواة أمام القانون
منح القانون المؤجرين في الأماكن السكنية ميزة زمنية (سبع سنوات) مقارنة بالمؤجرين في الأماكن غير السكنية (خمس سنوات في القانون 165)، دون مبرر موضوعي، يُعد إخلالًا بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 53 من الدستور.
3. المساس بحق الدفاع والتقاضي
نص المادة السابعة من القانون يُجيز طرد المستأجر بأمر على عريضة، دون حكم قضائي، ودون أن يؤدي رفع دعوى موضوعية إلى وقف التنفيذ، مما يُقيد حق المستأجر في الدفاع، ويُخالف المادة 97 من الدستور التي تكفل حق التقاضي للجميع.
4. مخالفة لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين
إن إنهاء العلاقة التعاقدية بقوة القانون، دون إرادة الطرفين أو إخلال من أحدهما، يُخالف المادة 94 من الدستور والمادة 147 من القانون المدني، ويُضعف من استقرار المعاملات المدنية.
5. الإخلال بمبدأ العدالة الاجتماعية
لم يُراعِ القانون الفئات الضعيفة اقتصاديًا، رغم أن أكثر من 1.6 مليون أسرة مصرية تسكن في إيجارات قديمة.
إن إنهاء العلاقة الإيجارية دون توفير بدائل سكنية كافية يُخل بمبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في المادة 8 من الدستور.
خامسًا: التوصيات
- ضرورة تعديل المادة السابعة من القانون بما يضمن حق المستأجر في الدفاع والتقاضي الكامل.
- إعادة النظر في مدة السبع سنوات وربطها بمعايير موضوعية مثل دخل المستأجر أو حالته الاجتماعية.
- مراجعة القانون في ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 70 لسنة 18 قضائية، لضمان التوازن بين حق الملكية وحق الانتفاع المشروع
الجزء الثاني:
القانون رقم 165 لسنة 2025 – دراسة في مدى توافقه مع المبادئ الدستورية وحكم المحكمة الدستورية العليا رقم 70 لسنة 18 قضائية
أولًا: مقدمة
صدر القانون رقم 165 لسنة 2025 لتنظيم العلاقة الإيجارية في الأماكن المؤجرة لغير أغراض السكن، مثل المحال التجارية والمكاتب الإدارية والمقار المهنية، ونص على إنهاء العلاقة الإيجارية بعد مرور خمس سنوات من تاريخ العمل به، بالنسبة للعقود المبرمة قبل 31 يناير 1996.
وقد أثار هذا القانون جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والاقتصادية، نظرًا لما ينطوي عليه من إنهاء قسري للعلاقة التعاقدية دون إخلال من المستأجر، وهو ما يُثير شبهة عدم الدستورية، خاصة في ضوء المبادئ التي أرستها المحكمة الدستورية العليا في حكمها رقم 70 لسنة 18 قضائية.
---
ثانيًا: مضمون المادة المطعون عليها
تنص المادة (2) من القانون رقم 165 لسنة 2025 على ما يلي:
> "تنتهي بقوة القانون عقود إيجار الأماكن المؤجرة لغير أغراض السكن، والمبرمة قبل العمل بأحكام هذا القانون، وذلك بانقضاء مدة خمس سنوات من تاريخ العمل به، دون الحاجة إلى اتخاذ أي إجراء قانوني أو قضائي."
هذا النص يُنهي العلاقة الإيجارية تلقائيًا، دون اشتراط إخلال المستأجر بالتزاماته أو وجود مبرر موضوعي للإنهاء، وهو ما يُشكل افتئاتًا على الحقوق المكتسبة ويُثير شبهة مخالفة للدستور.
---
ثالثًا: أوجه المخالفة الدستورية
1. مخالفة مبدأ احترام المراكز القانونية المكتسبة
- المستأجرون الذين أبرموا عقودًا صحيحة وفقًا للقوانين السابقة اكتسبوا مراكز قانونية مشروعة.
- إنهاء العلاقة الإيجارية قسرًا دون إخلال منهم يُعد انتهاكًا لهذا المركز، ويُخل بمبدأ الأمن القانوني والاستقرار التشريعي، الذي يُعد من المبادئ الدستورية المستقرة.
2. مخالفة مبدأ المساواة أمام القانون
- القانون يُميز بين الأماكن السكنية وغير السكنية من حيث مدة الإخلاء (سبع سنوات مقابل خمس سنوات)، دون مبرر موضوعي، رغم أن العلاقة التعاقدية واحدة من حيث الجوهر.
- هذا التمييز يُعد إخلالًا بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 53 من الدستور، ويُثير شبهة تمييز غير مبرر.
3. مخالفة لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين
- النص يُنهي العلاقة التعاقدية دون إرادة الطرفين، ودون إخلال من المستأجر، وهو ما يُخالف المادة 94 من الدستور والمادة 147 من القانون المدني، ويُضعف من استقرار المعاملات المدنية.
4. مخالفة لحكم المحكمة الدستورية العليا رقم 70 لسنة 18 ق
- الحكم لم يقرر إنهاء العلاقة الإيجارية، بل رفض الامتداد غير المنضبط.
- القانون خالف روح الحكم بأن قرر إنهاء العلاقة بعد مدة محددة دون مراعاة للمراكز القانونية أو التوازن الدستوري بين المؤجر والمستأجر.
5. الإخلال بمبدأ العدالة الاجتماعية
- كثير من المستأجرين في الأماكن غير السكنية يعتمدون عليها كمصدر رزق أو نشاط مهني.
- إنهاء العلاقة الإيجارية دون توفير بدائل أو تعويضات يُخل بمبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في المادة 8 من الدستور، ويُعرض فئات واسعة من المجتمع للضرر الاقتصادي والاجتماعي.
تعليقات
إرسال تعليق