--
اعتراضات رئيس الجمهورية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية
...........
في خطوة تعكس حرص القيادة السياسية على ضمان توافق التشريعات مع أحكام الدستور وصيانة الحقوق والحريات، استخدم رئيس جمهورية مصر العربية حقه الدستوري في الاعتراض على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وذلك استنادًا إلى المادة (123) من الدستور التي تمنحه سلطة رد القوانين إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيها.
أولًا: المادة الخاصة بسريان القانون
اعترض الرئيس على بدء سريان القانون فور نشره، واقترح أن يبدأ تطبيقه مع بداية العام القضائي الجديد. وجاء الاعتراض استنادًا إلى ضرورة منح الجهات القضائية الوقت الكافي لتجهيز البنية التحتية اللازمة، مثل إنشاء مراكز الإعلانات الهاتفية في أكثر من 280 محكمة جزئية، وهو ما يتطلب استعدادًا إداريًا وتقنيًا لا يمكن إنجازه فورًا.
ثانيًا: المادة (48) المتعلقة بدخول المساكن في حالات الضرورة
أبدى الرئيس تحفظًا على غموض مصطلح "الخطر" الوارد في المادة، والذي يجيز دخول المساكن دون إذن قضائي في حالات الضرورة. وقد اعتبر أن هذا الغموض يفتح الباب لتفسيرات واسعة قد تمس حرمة الحياة الخاصة، وهو ما يتعارض مع المادة (58) من الدستور التي تنص على أن للمساكن حرمة لا يجوز دخولها إلا بأمر قضائي مسبب.
ثالثًا: المادة (105) بشأن استجواب المتهم في حالات الضرورة
رأى الرئيس أن المادة منحت مأموري الضبط القضائي صلاحية استجواب المتهم في حالات الضرورة دون منح النيابة العامة صلاحية مماثلة، مما يخل بالتوازن الإجرائي ويثير إشكاليات تتعلق بحقوق الدفاع. وقد استند في اعتراضه إلى مبدأ المساواة في الإجراءات وضمانات التحقيق المنصوص عليها في الدستور.
رابعًا: المادة (112) الخاصة بإيداع المتهم في جرائم معينة
اعترض الرئيس على النص الذي يجيز إيداع المتهم في جرائم محددة دون تحديد مدة قصوى أو اشتراط أمر قضائي مسبب، وهو ما يشكل تهديدًا للحرية الشخصية. وقد استند إلى المادة (54) من الدستور التي تنص على أن الحرية الشخصية حق أصيل لا يجوز تقييدها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة.
خامسًا: المادة (114) المتعلقة ببدائل الحبس الاحتياطي
رأى الرئيس أن المادة اقتصرت على ثلاث بدائل فقط للحبس الاحتياطي، في حين أن التوسع في البدائل يحقق مرونة أكبر في تطبيق العدالة الجنائية ويقلل من اللجوء إلى الحبس الاحتياطي، الذي يجب أن يكون إجراءً استثنائيًا لا يُستخدم إلا عند الضرورة القصوى.
سادسًا: المادة (123) بشأن عرض أوراق المتهم على النائب العام
اعترض الرئيس على قصر عرض أوراق المتهم على النائب العام على مرة واحدة فقط، واقترح أن يكون العرض دوريًا كل ثلاثة أشهر، استجابة لتوصيات اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، وضمانًا للرقابة القضائية المستمرة على الحبس الاحتياطي.
سابعًا: المادة (231) الخاصة بالإعلانات القضائية الإلكترونية
أبدى الرئيس تحفظًا على عدم النص على العودة للإعلان التقليدي في حال تعطل الوسائل الإلكترونية، وعدم إلزام الجهة المختصة بالإعلان خلال 24 ساعة من صدور القرار، مما قد يؤدي إلى الإضرار بحقوق الدفاع وتأخير الإجراءات القضائية.
ثامنًا: المادة (411) المتعلقة بانتداب محامٍ في الاستئناف
اعترض الرئيس على النص الذي يُلزم المحكمة بانتداب محامٍ للمتهم في مرحلة الاستئناف دون منحه فرصة الحضور أو اختيار محاميه، مما قد يخل بحق الدفاع المكفول دستوريًا بموجب المادة (96) التي تنص على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وله الحق في الدفاع عن نفسه أو بواسطة محامٍ يختاره.
---
خاتمة
تمثل هذه الاعتراضات ممارسة دستورية رشيدة من رئيس الجمهورية، تهدف إلى ضمان توافق التشريعات مع المبادئ الدستورية، وصيانة الحقوق والحريات، وتحقيق التوازن بين مقتضيات العدالة الجنائية وضمانات الدفاع. وقد أحال الرئيس هذه المواد إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيها، في إطار التعاون بين السلطات لتحقيق المصلحة العامة وترسيخ دولة القانون
تعليقات
إرسال تعليق